من المسؤولية الاجتماعية للمقاولة إلى الالتزام التراب

يُمكن للمقاولات أن تلعب دوراً مهماً في خدمة الصالح العام بغض النظر عن متطلبات الأداء الاقتصادي أو الأهداف الربحية لقدرتها على إحداث تأثير اجتماعي كبير. فمن الواضح أن هناك اهتماماً كبيراً من طرف السلطات العمومية والمواطنين بالدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات في مجالات متعددة خارج اختصاصاتها المتعارف عليها: التربية، التكوين ، الشغل، الصحة، وتحديات الفلاحة.

 

23 ديسمبر 2020

يُمكن للمقاولات أن تلعب دوراً مهماً في خدمة الصالح العام بغض النظر عن متطلبات الأداء الاقتصادي أو الأهداف الربحية لقدرتها على إحداث تأثير اجتماعي كبير. فمن الواضح أن هناك اهتماماً كبيراً من طرف السلطات العمومية والمواطنين بالدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات في مجالات متعددة خارج اختصاصاتها المتعارف عليها: التربية، التكوين ، الشغل، الصحة، وتحديات الفلاحة.

أرى هذا الاستنتاج مشروعاً، فمن الطبيعي أن تكون المقاولة ملزمة على البحث عن الصالح العام ليس فقط من أجل الحد من تأثير التداعيات السلبية المرتبطة بطبيعة وتقلبات أنشطتها. بل يجب أن يكون الهدف الأسمى لكل مقاولة منذ إنشائها فوق تراب منطقة معينة، في بيئة تستغل مواردها وقرب ساكنتها المحلية، هو البحث عن مصلحة هذه الساكنة مع تحمل هذه الشركات لكامل مسؤولياتها.

فمسؤولية بعض المقاولات تنبع من دوافع أكثر عمقاً، لأن هناك مقاولين ليسوا فقط مستثمرين وأصحاب رؤوس أموال وإنما نساء ورجال ذوو تجارب معاشة، وأفكار جيدة، ومعتقدات راسخة وقناعات تحمل التزام صادق وتشكل رؤية تتجاوز البحث عن الربح.

في وقتنا الحاضر، هناك عدة مشاكل في بعض المناطق وبالأخص في القرى التي تعاني من انعدام الأنشطة الاقتصادية بدرجة عالية وقلة التجهيزات الضرورية والبنيات التحتية (مركز استشفائي، مستشفى الولادة، مدارس) في حين تعتبر هذه الإشكاليات في قلب الاهتمامات الاجتماعية.

من هنا، علينا أن نسلم أنه من الناحية الاجتماعية نُلاحظ أن المقاولات تجد صعوبة في تحقيق الوقع الإيجابي الذي تهدف إليه رغم التزاماتها الجادة ومساهماتها الفعالة. يشهد على ذلك التطور الكبير للاقتصاد الاجتماعي التضامني، الذي يعد

كبديل، تمثل تحدياته البيئية والاقتصادية، استجابة للثغرات التي خلفها النظام الرأسمالي الذي جعل المقاولة قوة اقتصادية أساسية.

السؤال المطروح هو: ما العمل؟ لكل فترة جديدة رهانات جديدة التي لا تنطبق عليها الوصفات القديمة.

إن الانقسامات التي يعيشها مجتمعنا تجد جذورها في المجال الترابي. العديد من الشركات ومن بينها “مازن” تعتبر المجتمع المحلي من أهم الركائز التي يمكن الاعتماد عليها في أنشطتها : جميع المتطلبات والإمدادات هي محلية، الأسبقية للشغيلة المحلية، الأولوية في التكوين تكون لفائدة الشغيلة المحلية، ولهذا الغرض تقوم مازن بإشراك جميع الفاعلين المحليين سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص ونخص بالذكر: الفلاحين، المنتجين، النسيج الجمعوي والجهات الفاعلة المؤسساتية. هذا التقارب بمعتبر مكسباً مهما لمازن لأن من خلاله يمكننا أن نحقق الأثر الإيجابي على الساكنة و خصوصا الأكثر احتياجاً.

للأسف لا يستفيد المجال الترابي من الخبرة الميدانية للمقاولات في هذا الإطار، لهذا يجب على جميع المتدخلين توحيد قواهم من أجل التغيير. المقاولات، الجماعات المحلية، الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين مطالبون بالاشتراك في تحديد رهانات المنطقة وإعطاء الأولوية للأنشطة التي تروم إلى إعادة خلق الروابط الاجتماعية مع البحث عن الموارد الضرورية لترسيخ رؤية واضحة للنهوض بالمنطقة. من هنا يمكننا الوصول إلى الأثر الواقعي الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بتجديد جاذبية مجالاتنا الترابية و إحياء الاقتصاد المحلي وهذا دليل على أن المسؤولية المجالية للمقاولات ستكون رهان للتمييز والمنافسة كما هو الحال بالنسبة لمسؤوليتها الاجتماعية و البيئية للمقاولة.

من وجهة نظري، حان الأوان لنشتغل على أن تصبح المسؤولية الاجتماعية والبيئية أو منهجية “التنمية المستدامة” للشركات، استراتيجية استباقية للتنمية المحلية. فلهذا يجب أن لا نتعامل مع مفهوم التنمية المستدامة الشاملة بنفس الطريقة التجارية الربحية للشركات، عن أساس مبادرات اجتماعية بيئية أو مجموعة خدمات تكون في بعض الأحيان غير كافية أو بعيدة كل البعد عن مفهوم التنمية المجالية. فإذا كانت هذه المنهجية ناجحة من قبل وأعطت ثمارها، فإنها اليوم أبانت عن محدوديتها، فالفاعلين الاقتصاديين يلحون على معرفة مصدر المنتوج، بصمته الكربونية، واحترام حقوق الإنسان، والمشاركة الفعالة للساكنة والفاعلين المحليين دون إغفال الشفافية في سلسلة الإمدادات.

لدي اليقين أنه على الشركات اليوم، أن تقوم بتغيير مفهومها للحكامة وتنويع أنشطتها وذلك لكي تستفيد أكثر من الفرص التي تطرحها أهداف التنمية المستدامة، لهذا يجب على الشركات أن تلتقط الإشارات الواضحة التي ترسلها المجالات الترابية مع البحث عن الحلول المناسبة وهذا يبقى أكبر تحدي لهذه الشركات.

وفي الأخير ولمواجهة هذه التحديات المرتبطة بالتنمية الشاملة، يجب علينا وضع معالم حكامة جيدة قادرة على تحقيق تنمية اقتصادية دائمة، وتوطيد الروابط الاجتماعية مع تقوية عنصر الثقة في أبعاده المهنية والمؤسساتية.

يظهر لي أن هناك 7 نقط يجب على المقاولة المغربية التقيد بها وهي:

إنهاء تشييد ثروتها المؤسساتية بهدف توجيه وتلبية طلبات المواطنين بشكل أحسن وتأمين التسوية السلمية للخلافات الاجتماعية

تسريع عملية تراكم رأس المال البشري

الرجوع إلى التتبع والتقييم المنهجي لضمان رؤية واضحة من أجل تنفيذ برامج القطاع العام او الخاص وخصوصا الأنشطة المجالية

العمل على الانخراط في المجهودات التي تهدف إلى تشجيع المجالية في السياسات العمومية

وضع الابتكار والتقدم التكنولوجي في أوليات التميز والمنافسة للمقاولة

توسيع نطاق التدبير الاستراتيجي للمقاولة وذلك بإدماج التنمية المجالية المستدامة في قلب استراتيجية المقاولة

وضع تقييم بعيد عن الأداء المالي للمقاولة مع إدراج المسؤولية المجالية كرهان للاختلاف والمنافسة بين الشركات.

بهذا تكون المقاولة جزءاً لا يتجزأ من مجال موطنها وذلك من خلال تبني رؤية واضحة واستراتيجية مبتكرة هدفها الأول هو الصالح العام. من المقاولة الصغرى الى المقاولة الكبرى مرورا بالشركات العالمية يجب على جميع المقاولات أن يكون من بين أهم التزاماتها هو النهوض بالمجال الترابي لمناطق اشتغالها من أجل إشعاع وتنمية هذه المناطق.

par كاتب المقال : Hespress
source المصدر : Hespress
العودة إلى المقالات